بينما يتفاوت العالم في تطوره وتقدمه، تبقى التقاليد الأساسية للثقافات تشكل جزءًا لا يتجزأ من هويتها. ومن أبرز تلك التقاليد مشروباتها التي تعبر عن عاداتها وتاريخها والتي تحمل في طياتها لمسات الزمن وتجارب الأجداد. إنها ليست مجرد مشروبات، بل هي تجربة من تراث ثقافي غني، تأخذ الأذواق في رحلة ساحرة عبر الزمن والمكان.
في هذا المقال، سنستكشف معًا عالمًا سحريًا من المشروبات العربية ذات النكهات الاستثنائية، من البن العربي إلى المشروبات العصرية المستوحاة من التراث، ستأخذنا هذه الرحلة إلى عالم من النكهات الأصيلة والتجارب المذهلة، حيث يلتقي التقليد بالإبداع، والماضي يلتقي بالحاضر لنرى كيف يمكن للمشروبات العربية أن تبهج حواسنا بطرق لا تُنسى.
كثيرة هي المشروبات التي تحفل بها بلداننا العربية، قد تختلف الأشكال والنكهات من بلد إلى آخر، لكن يبقى الطابع العربي الأصيل هو السمة المميزة في طريقة التحضير وبالطبع المذاق الرائع!
لننطلق في جولة للتعرف على أشهر المشروبات التى تزخر بها المجالس العربية .
المحتويات:
مشروبات تميز بعض البلدان العربية.
تاريخ العرب في الضيافة:
لعبت الضيافة دورًا محوريًا في حياة العرب منذ قديم الزمان، إذ اعتمدت حياتهم حينها بشكل أساسي على أنشطة الترحال الذي كان عادةً ما يستغرق أوقاتًا طويلة معتمدين على رحلات المسير أو الدواب في أفضل الأحوال.
لم يكن من المتعارف عليه وقتها وجود فنادق أو أماكن استراحة، وهنا بدأ المسافرون في ابتكار ضيافتهم الخاصة بهم، وتفننوا في أساليبها بما يمثل عاداتهم وتقاليدهم التي تعبر عن القيم العربية كالكرم والشهامة وحسن الاستقبال، وبالطبع كانت القهوة العربية خير سفير للتعبير عن حفاوة الاستقبال في مجالس العرب، وتعددت أشكالها ونكهاتها وطرق تحضيرها بمرور الوقت، وظهرت أيضًا مشروبات أخرى لتحتل مكانة مرموقة في ضيافة العرب، وسنتعرف على بعض منها في السطور القادمة.
البن العربي والقهوة العربية:
لا شك أن القهوة تعتبر واحدة من أشهر المشروبات التي تحظى بشعبية كبيرة عربيًا، فقد ارتبطت بمجالس العرب وضيافتهم وثقافتهم جيلًا بعد جيل إلى أن تغلغلت في حياتهم اليومية مساهمةً في تعزيز قيم الأصالة والكرم والتفاخر وحسن الضيافة، ونُظمت في وصف مذاقها القصائد والأشعار العربية، ليس فقط لارتباطها الوثيق بالمجالس والمناسبات، لكن لأنها شكلت تاريخًا عريقًا من تراث ضيافة العرب في عدة أوجه:
تقليد قهوة الضيافة: منذ قرون طويلة، اعتاد العرب على استقبال الضيوف بأجود أنواع البن العربي الفاخر. هذا التقليد يعكس حسن الضيافة والاهتمام براحة الزائرين. يتم تقديم القهوة برفق وبأسلوب متقن.
الترحيب والدفء: تُعتبر كوب القهوة العربية جزءًا من الترحيب والدفء الذي يُقدم للضيوف مع التمور أو الحلويات العربية الشهية لإضفاء جو من الألفة والودّ.
تعزيز الروابط الاجتماعية: تشجع قهوة الضيافة على الجلوس والتحدث بشكل هادئ ومريح مع الضيوف. تسهم هذه اللحظات في تعزيز الروابط الاجتماعية وبناء العلاقات.
الأصالة والتراث: يُعتبر البن العربي وتقديم القهوة جزءًا من الأصالة والتراث الثقافي العربي. هذه المشروبات تحمل معها تاريخًا طويلًا من الاحترام للتقاليد والقيم الاجتماعية.
تجربة فريدة: تمنح قهوة الضيافة الضيوف تجربة فريدة من نوعها. النكهة والرائحة الفاخرة للقهوة العربية تعكس اهتمام العرب بضيافتهم.
العنصر الاجتماعي والتواصل: قهوة الضيافة تشجع على التواصل والمحادثة بين الضيوف. هذا يساعد في تعزيز الثقافة الاجتماعية وتبادل الخبرات والقصص.
رمز للكرم والشجاعة: في بعض الثقافات العربية، يُعتبر تقديم البن العربي والقهوة رمزًا للكرم والشجاعة. الضيافة العربية تتعامل مع الضيوف بأكبر درجات الكرم والشهامة.
بهذه الطرق، لعب البن العربي والقهوة العربية دورًا حاسمًا في إغناء تجربة الضيافة العربية وتعزيز التواصل والتلاحم بين الناس.
مشروبات تميز بعض البلدان العربية:
في الوقت الذي تحتل القهوة العربية مكانةً رائدةً في الضيافة العربية، إلا أن لكل بلد ثقافته الخاصة التي تنعكس في ملامح ضيافته، فنجد أن هناك الكثير من المأكولات والمشروبات المشتركة في ضيافة العرب من المحيط إلى الخليج، إلا أن هناك منها ما يرتبط ببعض البلدان العربية دونًا عن غيرها الذي ليس شرطًا أن يحظى بشعبية كبرى خارج تلك البلدان، على سبيل المثال:
مشروب الجلاب:
- يعد واحدًا من أشهر المشروبات في دولة الإمارات ويمتد صيته لبلدان عربية أخرى في الشرق الأوسط.
- يعتبر ضيفًا أساسيًا على المائدة العربية خلال شهر رمضان.
- يُحضر هذا المشروب باستخدام أربعة مكونات أساسية هي ماء الورد ودبس العنب والتمر والزبيب مع إضافة الثلج حسب الرغبة.
- للتغلب على حرارة الصيف، يمكن اضافة بعض المكونات كالصنوبر وشرائح اللوز.
مشورب عوار قلب:
- معروف بشكل كبير في الكويت والمملكة العربية السعودية، لكن يعود منشأه الأصلي للكويت.
- لا ُيعرف سبب التسمية على وجه الدقة، لكن على الأرجح ارتبط بهذا الإسم لأن (عوار قلب) في اللهجة الخليجية هو تعبير مجازي يعني ألم القلب الناتج عن الصدمة من روعة الطعم، أي الطعم الذي يفطرالقلب من لذته.
- يتم تحضيره باستخدام الفاكهة المثلجة (المانجو والفراولة) بالإضافة للمثلجات والأيس كريم.
- يمكن اضافة بعض المكونات الأخرى مثل الموز - الحليب - اللوز المطحون - الفانيلا - المكسرات والزبيب.
مشروب الشربوت:
مشروب ذائع الصيت في السودان اعتاد النوبيون على تناوله منذ آلاف السنين.
يُحضر طوال العام في الأفراح والمناسبات، ولكنه يرتبط بشكل أكبر بموسم عيد الأضحى.
يُصنع من ثمار البلح المضاف إليها الزنجبيل والهيل والقرفة والحلبة.
يتم تخميره أحيانًا مع اضافة بعض المكونات الأخرى كالتفاح - عصير العنب الطازج - الزبيب - الخميرة.
مشروب الزريك:
واحد من أشهر المشروبات الصحراوية في عدد من البلدان على رأسها المغرب.
استخدامه في الضيافة دليل على صدق الترحاب وحفاوة استقبال الضيوف.
يتم تحضيره باستخدام الحليب و قليل من الماء و السكر.
في بعض المناطق يمكن اضافة بعض المكونات الأخرى كالكاكاو والزبادي واللوز والسمسم والبندق.
شاي الكرك:
مشهور وذائع الصيت في العديد من دول الخليج وله شعبية واسعة.
يعود موطنه الأصلي إلى الهند ويعرف بالشاي العدني في اليمن.
له العديد من الفوائد الصحية المتعلقة بمكافحة نمو الخلايا السرطانية وتنظيم ضربات القلب.
يُحضر باستخدام الهيل والقرنفل والقرفة والزنجبيل والحليب.
الشاي الكشميري الوردي:
يحظى بشهرة واسعة في منطقة الخليج العربي.
ظهر لأول مرة في كشمير - باكستان، ويعرف هناك بإسم نون شاي أو شير شاي.
يحضر باستخدام الحليب - الينسون - الهيل - الزعفران - القرفة - اللوز المفروم - أوراق الشاي الكاملة.
على الرغم من اختلاف العادات والتقاليد الخاصة بالشعوب العربية عندما يتعلق الأمر بالضيافة، إلا أن هناك مجموعة من المشروبات التي تعتبر جزءًا لا يتجزأ من أصول الثقافة والضيافة العربية، لعل من أبرزها:
الشاي:
يبقى الشاي حاضرًا دائمًا في الضيافة العالمية، يكفي القول أنه يعتبر المشروب الأكثر استهلاكًا على مستوى العالم ومن الأكثر شعبية في الوطن العربي، حيث تأتي كل من السعودية والكويت في صدارة الدول العربية الأكثر استهلاكًا للشاي بمتوسط 1.2 كيلو جرام للفرد سنويًا، تليها كلُُ من المغرب ومصر بمتوسط 1 كيلو جرام للفرد سنويًا.
الحليب:
لطالما كان الحليب عنوانًا بارزًا في ضيافة العرب قديمًا قبل أن تحتل القهوة صدارة المشهد، لكن على الرغم من ذلك لا يزال للحليب مكانته الخاصة في العديد من الدول العربية، هذا فضلًا عن فوائده الصحية الجمة التي جعلته حاضرًا بالعديد من النكهات والوصفات المحببة للكبار والصغار.
يدخل الحليب كمكون رئيسي في تحضير الكثير من المشروبات الباردة والدافئة على السواء، وهناك العديد من الوصفات التى تفنن العرب في تحضيرها عبر الزمان باستخدام الحليب، لعل من أبرزها:
الحليب بالتمر
المشروب المحبب لجميع الفئات العمرية من الصغار إلى كبار السن، فقط يوضع التمر في كوب من الحليب الدافيء مساءً ويتم تناوله صباحًا على الريق لتعزيز الجسم بالصحة والنشاط.
الحليب بالزنجبيل والقرفة
قد يكون خيارًا جيدًا إن كنت ترغب في تعزيز مناعتك، فإضافة ملعقتين من الزنجبيل المبشور مع رشة من القرفة له أثر إيجابي في تقوية جهاز المناعة وحماية القلب والشرايين والأوعية الدموية.
الحليب الذهبي
يعرف أيضًا بحليب الكركم، وهو مشروب هندي الأصل عرف طريقه مؤخرًا إلى موائد العرب لما يحتويه من فوائد صحية مذهلة كتحسين وظائف المخ والذاكرة والمزاج العام، فضلًا عن أنه مضاد قوي للأكسدة.
يتكون بشكل أساسي من الحليب - الكركم - الزنجبيل، وقد يتم إضافة بعض المكونات الأخرى مثل العسل والفلفل الأسود وزيت جوز الهند.
السحلب
يأتي هذا المشروب على رأس قائمة المشروبات الأكثر شعبية في مصر والخليج العربي، ويعتبر الحليب مكونًا رئيسيًا في تحضير مشروب السحلب الذي يمكن تقديمه إما على شكل أطباق مزينة بالفستق أو على شكل مشروب ساخن مضاف إليه الفانيليا والزبيب وبعض أنواع المكسرات، ويمكن كذلك اضافة القرفة أو المستكة المطحونة أو ماء الورد.
- الضيافة عادة وثقافة وتقاليد أصيلة تتغلغل في عمق النسيج العربي.
- هناك مشروبات يتشاركها العرب باختلاف البلدان، ومشروبات أخرى ترتبط ببلدان معينة.
- الجلاب وشاي الكرك والسحلب وحليب التمر من المشروبات المرتبطة بالعديد من الدول العربية
- الشربوت - الزريك - عوار قلب كلها مشروبات تنتنمي إلى دول عربية محددة (السودان/المغرب/الكويت) على الترتيب.
- القهوة والشاي يأتيان دائمًا في صدارة المشروبات الأكثر شعبية في الوطن العربي
- الحليب يشكل عنصرًا أساسيًا في الضيافة العربية، ويدخل في صناعة العديد من المشروبات الساخنة والباردة.